قال الله عز وجل :
*{ يَا أَيهُّا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُم ْإيَّاهُ تَ عْبُدُونَ }*
قد ذكرنا من قبل أن الله سبحانه تعالى قال :
*( يَا أَيهُّا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا )*
و قلنا : أن هذه الآية دالة على أصل التشريع وهو الحِل ؛ وقد بيّن الله تعالى فيها ما أحله سبحانه و تعالى لعباده وهو كل حلال طيب .
لذلك كان الخطاب فيها للناس عموماً ويدخل فيها الكافرين وأهل الكتاب ؛ لبيان أن ما شرعه الله عز وجل فهو الحلال الطيّب ، فإن كنتم تريدون الحلال الطيب فادخلوا في هذه الآية .
ثم لما بين أنهم لم يستجيبوا فقالوا :
*( وَإِذَا قِيلَ لهَمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا )*
فلما أنهم جانبوا الحق واتباع الحق ٠٠٠
قال الله تعالى :
*{ يَا أَيهُّا الَّذِينَ آَمَنُوا }*
أي كونوا أنتم على الحق واشكروا الله عز وجل على هذه الهداية والتوفيق .
ثم قال لهم الله عز وجل :
*{ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ }*
والطيبات المراد بها كما ذكرها شيخ الإسلام هي :
ما أباحه الله مما هو نافع للبدن والعقل والروح وضده الخبيث وهو ما حرمه الله مما هو ضار للبدن والعقل والروح ،
ولاحظوا أنه قال سبحانه : { مَا رَزَقْنَاكُمْ } أو { مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ }
أي أن هذه الطيبات مِنة من الله أحلّها الله لكم وقد وسعها لكم ،
و أيضا ذكر الله سبحانه وتعالى هنا :
*{ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ }*
أولا : لبيان توسيع الله على عباده في شرعه ؛ في مقابل ما كان عليه المشركون وأهل الكتاب من التضييق والتشديد بتحريم بعض الطيبات على وجه التقرب تشريعاً من أنفسهم ،
فهم ضيقوا على أنفسهم بتحريم ما أحل الله ، فالله سبحانه وتعالى يقول أنا وسعت لكم هذا التشريع .
ثم أيضاً الغرض الثاني في تخصيص الطيبات هنا إزالة ما قد يُظن بأن الدين يمنع التوسع ويأمر بالتضييق على النفس أو التشديد عليها وحرمانها بالتمتع بما رزقها الله ،
هكذا قد يظن الإنسان ، وهكذا يظن غير المسلم ٠٠
يظن غير المسلم أن الإسلام يضيق عليه ، هكذا يصور الشيطان له ذلك ،
ولكن الحقيقة العكس هو أن الله يوسع لك الطيبات ويحرم عليك جزءاً مما هو ضار بك وغير نافع فيستثنيه ٠٠
فتبين بهذا إزالة ما قد يتصور بأن هذا الدين يمنع التوسع في ما ينفع النفس من الطيبات أو يضيق عليها في ذلك .
قال تعالى :
*{ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ }*
والمراد بالشكر أنه يشمل القلب واللسان والجوارح ؛ وهو مستلزم للإتباع الكامل لما أمر الله سبحانه وتعالى .
ولله المثل الأعلى حينما يأتيك الإنسان كأنك إذا كنت موظفاً عنده فيعطيك راتبك وزيادة ،
لا شك أن هذا يدعو إلى أن تعمل له بإخلاص وجد ومضاعفة .
فإذا كان ولله المثل الأعلى ربك أعطاك كل شيء ومنحك هذا الرزق المبارك وأحله لك ولم يضيّق ،
كان حقاً عليك أن تفيض له سبحانه وتعالى من الشكر والعبادة وأن تسخر نفسك عبودية له ، تقدِم له كل ما باستطاعتك وجهدك تقرباً وعبادةً لله سبحانه وتعالى ،
ثم قال سبحانه و تعالى :
*{ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }*
لاحظوا أنه قرَنَ بين الشكر والعبادة ، فتبين أن شكر الله يتحقق بعبادته حق عبادته ،
أي كلوا من هذه الطيبات وامتثلوا أمر الله عز وجل بعبادته ، فذلك هو شكرها ، ليس هو شكرها باللسان ، وإنما هو باللسان والعمل .
ولهذا قال سبحانه :
*{ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }*
إن كنتم تعبدوه حقيقة ؛ فاشكروه .
تعليقات
إرسال تعليق
بسم الله والصلاه والسلام علي رسول الله اما بعد
نتمني ان تترك تعليقا معبرا عن رايك في المقال بشكل جيد حتي نتمكن من تطوير موقعنا للافضل بفضلكم وشكرا